الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{طسم (1)} {طسم} الله أعلم بمراده بذلك.
{تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)} {تِلْكَ} أي هذه الآيات {ءايات الكتاب} القرآن الإِضافة بمعنى من {المبين} المظهَر الحق من الباطل.
{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)} {لَعَلَّكَ} يا محمد {باخع نَّفْسَكَ} قاتلها غمّاً من أجل {أَلاَّ يَكُونُواْ} أي أهل مكة {مُّؤْمِنِينَ} ولعل هنا للإِشفاق أي أشفق عليها بتخفيف هذا الغمّ.
{إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)} {إِن نَّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء ءَايَةً فَظَلَّتْ} بمعنى المضارع: أي تظل، أي تدوم {أعناقهم لَهَا خاضعين} فيؤمنون، ولما وصفت الأعناق بالخضوع الذي هو لأربابها جمعت الصفة منه جمع العقلاء.
{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5)} {وَمَا يَأْتِيهِم مّن ذِكْرٍ} قرآن {مِّنَ الرحمن مُحْدَثٍ} صفة كاشفة {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ}.
{فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)} {فَقَدْ كَذَّبُواْ} به {فَسَيَأْتِيهِمْ أنباؤا} عواقب {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ}.
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)} {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} ينظروا {إِلَى الأرض كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا} أي كثيراً {مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} نوع حسن؟.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8)} {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً} دلالة على كمال قدرته تعالى {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ} في علم الله، و«كان» قال سيبويه: زائدة.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} ذو العزة ينتقم من الكافرين {الرحيم} يرحم المؤمنين.
{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)} {وَ} اذكر يا محمد لقومك {إِذْ نادى رَبُّكَ موسى} ليلة رأى النار والشجرة {أن} أي بأن {ائت القوم الظالمين} رسولاً.
{قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11)} {قَوْمَ فِرْعَونَ} معه ظلموا أنفسهم بالكفر بالله وبني إسرائيل باستعبادهم {أَلاَ} الهمزة للاستفهام الإِنكاري {يَتَّقُونَ} الله بطاعته فيوحّدونه؟.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12)} {قَالَ} موسى {رَبّ إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ}.
{وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13)} {وَيَضِيقُ صَدْرِى} من تكذيبهم لي {وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى} بأداء الرسالة للعقدة التي فيه {فَأَرْسِلْ إلى} أخي {هارون} معي.
{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)} {وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ} بقتل القبطي منهم {فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} به.
{قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)} {قَالَ} تعالى: {كَلاَّ} أي لا يقتلونك {فاذهبا} أي أنت وأخوك، ففيه تغليب الحاضر على الغائب {بئاياتنا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُون} ما تقولون وما يقال لكم، أُجريا مجرى الجماعة.
{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)} {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا} أي كلاًّ منا {رَسُولُ رَبِّ العالمين} إليك.
{أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)} {أن} أي بأن {أَرْسِلْ مَعَنَا} إلى الشام {بَنِى إسراءيل} فأتياه فقالا له ما ذكر.
{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)} {قَالَ} فرعون لموسى {أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا} في منازلنا {وَلِيداً} صغيراً قريباً من الولادة بعد فطامه {وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} ثلاثين سنة يَلْبِسُ من ملابس فرعون ويركب من مراكبه؟ وكان يسمى ابنه.
{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)} {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التى فَعَلْتَ} هي قتله القبطي {وَأَنتَ مِنَ الكافرين} الجاحدين لنعمتي عليك بالتربية وعدم الاستعباد.
{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)} {قَالَ} موسى {فَعَلْتُهَا إِذاً} أي حينئذ {وَأَنَاْ مِنَ الضالين} عما آتاني الله بعدها من العلم والرسالة.
{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)} {فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِى رَبّى حُكْماً} علماً {وَجَعَلَنِى مِنَ المرسلين}.
{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)} {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ} أصله تمن بها عليَّ {أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إسراءيل} بيان لتلك: أي اتخذتهم عبيداً ولم تستعبدني لا نعمة لك بذلك لظلمك باستعبادهم، وقَدّر بعضهم أول الكلام همزة استفهام للإِنكار.
{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)} {قَالَ فِرْعَوْنُ} لموسى {وَمَا رَبُّ العالمين} الذي قلت إنك رسوله؟ أي: أي شيء هو؟ ولما لم يكن سبيل للخلق إلى معرفة حقيقته تعالى وإنما يعرفونه بصفاته أجابه موسى عليه الصلاة والسلام ببعضها:
{قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)} {قَالَ رَبُّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} أي خالق ذلك {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} بأنه تعالى خالقه فآمنوا به وحده.
{قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25)} {قَالَ} فرعون {لِمَنْ حَوْلَهُ} من أشراف قومه {أَلاَ تَسْتَمِعُونَ} جوابه الذي لم يطابق السؤال؟.
{قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)} {قَالَ} موسى {رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ الأولين} وهذا وإن كان داخلاً فيما قبله يغيظ فرعون ولذلك:
{قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)} {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الذى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}.
{قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)} {قَالَ} موسى {رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} أنه كذلك فآمنوا به وحده.
{قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)} {قَالَ} فرعون لموسى {لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِى لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} كان سجنه شديداً يحبس الشخص في مكان تحت الأرض وحده لا يبصر ولا يسمع فيه أحداً.
{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)} {قَالَ} له موسى {أُوَلُو} أي: أتفعل ذلك ولو {جِئْتُكَ بِشَئ مُّبِينٍ} أي برهان بيّنٌ على رسالتي؟
{قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)} {قَالَ} فرعون له {فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} فيه.
{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32)} {فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} حية عظيمة.
{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33)} {وَنَزَعَ يَدَهُ} أخرجها من جيبه {فَإِذَا هِىَ بَيْضَاءُ} ذات شعاع {للناظرين} خلاف ما كانت عليه من الأدمة.
{قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)} {قَالَ} فرعون {لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} فائق في علم السحر.
{يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)} {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}؟.
{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)} {قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} أخِّر أمرهما {وابعث فِى المدائن حاشرين} جامعين.
{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)} {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} يفضل موسى في علم السحر.
{فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38)} {فَجُمِعَ السحرة لميقات يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} وهو وقت الضحى من يوم الزينة.
{وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39)} {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ}.
{لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40)} {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة إِن كَانُواْ هُمُ الغالبين} الاستفهام للحث على الاجتماع والتَّرجي على تقدير غلبتهم ليستمروا على دينهم فلا يتبعوا موسى.
{فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41)} {فَلَمَّا جَاء السحرة قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ} بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين {لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين}.
{قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)} {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً} أي حينئذ {لَمِنَ المقربين}.
{قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43)} {قَالَ لَهُمْ موسى} بعد ما قالوا له {إِمَّا أَن تُلْقِىَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين}: {أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ} فالأمر فيه للإِذن بتقديم إلقائهم توسلاً به إلى إظهار الحق.
{فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)} {فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون}.
{فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45)} {فألقى موسى عصاه فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ} بحذف إحدى التاءين من الأصل تبتلع {مَا يَأْفِكُونَ} يقلبونه بتمويههم فيخيلون حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى.
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)} {فَأُلْقِىَ السحرة ساجدين}.
{قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47)} {قَالُواْ ءامَنَّا بِرَبّ العالمين}.
{رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48)} {رَبّ موسى وهارون} لعلمهم بأنّ ما شاهدوه من العصا لا يتأتى بالسحر.
{قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)} {قَالَ} فرعون {ءَامَنْتُمْ} بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفاً {لَهُ} لموسى {قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ} أنا {لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذى عَلَّمَكُمُ السحر} فعلّمكم شيئاً منه وغلبكم بآخر {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ما ينالكم مني {لأُقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خلاف} أي يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى {وَلأُصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.
{قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50)} {قَالُواْ لاَ ضَيْرَ} لا ضرر علينا في ذلك {إِنَّا إلى رَبّنَا} بعد موتنا بأيِّ وجه كان {مُنقَلِبُونَ} راجعون في الآخرة.
{إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)} {إِنَّا نَطْمَعُ} نرجو {أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خطايانا أَن} أي بأن {كُنَّا أَوَّلَ المؤمنين} في زماننا.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52)} {وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى} بعد سنين أقامها بينهم يدعوهم بآيات الله إلى الحق فلم يزيدوا إلا عُتُوّاً {أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى} بني إسرائيل وفي قراءة بكسر النون ووصل همزة أسر من سرى لغة في أسرى أي سِر بهم ليلاً إلى البحر {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} يتبعكم فرعون وجنوده فيلجون وراءكم البحر فأُنجيكم وأُغرقهم.
{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53)} {فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ} حين أُخْبِرَ بسيرهم {فِى المدائن} قيل كان له ألف مدينة واثنا عشر ألف قرية {حاشرين} جامعين الجيش قائلاً:
{إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)} {إِنَّ هؤلاء لَشِرْذِمَةٌ} طائفة {قَلِيلُونَ} قيل كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً ومقدّمة جيشه سبعمائة ألف فقلَّلهم بالنظر إلى كثرة جيشه.
{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)} {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} فاعلون ما يغيظنا.
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)} {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذرون} مستعدون وفي قراءة «حذرون» متيقظون.
{فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57)} قال تعالى: {فأخرجناهم} أي فرعون وجنوده من مصر ليلحقوا موسى وقومه {مّن جنات} بساتين كانت على جانبي النيل {وَعُيُونٍ} أنهار جارية في الدور من النيل.
{وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)} {وَكُنُوزٍ} أموال ظاهرة من الذهب والفضة، وسميت كنوزاً لأنه لم يعط حق الله تعالى منها {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} مجلس حسن للأمراء والوزراء يحفه أتباعهم.
{كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)} {كذلك} أي إخراجنا كما وصفنا {وأورثناها بَنِى إسراءيل} بعد إغراق فرعون وقومه.
{فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)} {فَأَتْبَعُوهُم} لحقوهم {مُشْرِقِينَ} وقت شروق الشمس.
{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)} {فَلَمَّا تَرَاءا الجمعان} أي رأى كل منهما الآخر {قَالَ أصحاب موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} يدركنا جمع فرعون ولا طاقة لنا به.
{قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)} {قَالَ} موسى {كَلاَّ} أي لن يدركونا {إِنَّ مَعِىَ رَبّى} بنصره {سَيَهْدِينِ} طريق النجاة.
{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)} قال تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر} فضربه {فانفلق} فانشق اثني عشر فرقاً {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم} الجبل الضخم بينها مسالك سلكوها لم يبتلَّ منها سرج الراكب ولا لِبْدُهُ.
{وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64)} {وَأَزْلَفْنَا} قرّبنا {ثُمَّ} هناك {الأخرين} فرعون وقومه حتى سلكوا مسالكهم.
{وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65)} {وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ} بإخراجهم من البحر على هيئته المذكورة.
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66)} {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الأخرين} فرعون وقومه بإطباق البحر عليهم لما تم دخولهم في البحر وخروج بني إسرائيل منه.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67)} {إِنَّ فِى ذَلِكَ} أي إغراق فرعون وقومه {لأَيَةً} عبرة لمن بعدهم {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ} بالله لم يؤمن منهم غير آسية امرأة فرعون وحزقيل مؤمن آل فرعون ومريم بنت ناموسي التي دلت على عظام يوسف عليه السلام.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} فانتقم من الكافرين بإغراقهم {الرحيم} بالمؤمنين فأنجاهم من الغرق.
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69)} {واتل عَلَيْهِمْ} أي كفار مكة {نَبَأَ} خبر {إِبْرَاهِيمَ} ويبدل منه.
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70)} {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ}.
{قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71)} {قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً} صرحوا بالفعل ليعطفوا عليه {فَنَظَلُّ لَهَا عاكفين} أي نقيم نهاراً على عبادتها زادوه في الجواب افتخاراً به.
{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72)} {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ} حين {تَدْعُونَ}؟.
{أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)} {أَوْ يَنفَعُونَكُمْ} إن عبدتموهم {أَوْ يَضُرُّونَ} كم إن لم تعبدوهم.
{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)} {قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} أي مثل فعلنا.
{قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75)} {قَالَ أَفَرَءَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ}.
{أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)} {أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُمُ الأقدمون}؟.
{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)} {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى} أي: لا أعبدهم {إِلاَّ} لكن {رَبَّ العالمين} فإني أعبده.
{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)} {الذى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ} إلى الدين.
{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)} {والذى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ}.
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)} {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}.
{وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)} {والذى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ}.
{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)} {والذى أَطْمَعُ} أرجو {أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدين} أي الجزاء.
{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)} {رَبّ هَبْ لِى حُكْماً} علما {وَأَلْحِقْنِى بالصالحين} النبيين.
{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84)} {واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ} ثناء حسناً {فِى الأخرين} الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة.
{وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)} {واجعلنى مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم} أي ممن يُعطاها.
{وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)} {واغفر لأَبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضالين} بأن تتوب عليه فتغفر له وهذا قبل أن يتبين {لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ} [114: 9] كما ذكر في سورة (براءة).
{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)} {وَلاَ تُخْزِنِى} تفضحني {يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي الناس.
{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)} قال تعالى فيه: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ} أحداً.
{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} {إِلاَّ} لكن {مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} من الشرك والنفاق وهو قلب المؤمن فإنه ينفعه ذلك.
{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)} {وَأُزْلِفَتِ الجنة} قُرِّبَتْ {لّلْمُتَّقِينَ} فيرونها.
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)} {وَبُرّزَتِ الجحيم} أظهرت {لِلْغَاوِينَ} الكافرين.
{وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92)} {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ}.
{مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)} {مِّن دُونِ الله} أي غيره من الأصنام {هَلْ يَنصُرُونَكُمْ} بدفع العذاب عنكم {أَوْ يَنتَصِرُونَ} بدفعه عن أنفسهم؟ لا.
{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)} {فَكُبْكِبُواْ} أُلقوا {فِيهَا هُمْ والغاوون}.
{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)} {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ} أتباعه ومن أطاعه من الجنّ والإِنس {أَجْمَعُونَ}.
{قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96)} {قَالُواْ} أي الغاوون {وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ} مع معبوديهم.
{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97)} {تالله إِن} مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي إنه {كُنَّا لَفِى ضلال مُّبِينٍ} بيّن.
{إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)} {إِذْ} حيث {نُسَوّيكُمْ بِرَبّ العالمين} في العبادة.
{وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)} {وَمَا أَضَلَّنَا} عن الهدى {إِلاَّ المجرمون} أي الشياطين أو أَوَّلونا الذين اقتدينا بهم.
{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)} {فَمَا لَنَا مِن شافعين} كما للمؤمنين من الملائكة والنبيين والمؤمنين.
{وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)} {وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} أي يهمه أمرنا.
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102)} {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} رجعة إلى الدنيا {فَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} لو هنا للتمني ونكون جوابه:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103)} {إِنَّ فِى ذَلِكَ} المذكور من قصة إبراهيم وقومه {لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ}.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)} {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين} بتكذيبهم له لاشتراكهم في المجيء بالتوحيد، أو لأنه لطول لبثه فيهم كأنه رسل وتأنيث قوم باعتبار معناه وتذكيره باعتبار لفظه.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106)} {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} نسباً {نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ} الله.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107)} {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} على تبليغ ما أُرسلت به.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108)} {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} فيما آمركم به من توحيد الله وطاعته.
{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)} {وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} على تبليغه {مِنْ أَجْرٍ إِنْ} ما {أَجْرِىَ} أي ثوابي {إِلاَّ على رَبّ العالمين}.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110)} {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} كرّره تأكيداً.
{قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)} {قَالُواْ أَنُؤْمِنُ} نصدِّق {لَكَ} لقولك {واتبعك} وفي قراءة «وأتباعك» جمع تابع مبتدأ {الأرذلون} السفلة كالحاكة والأساكفة.
{قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112)} {قَالَ وَمَا عِلْمِى} أيُّ علم لي؟ {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}؟.
{إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113)} {إن} ما {حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبّى} فيجازيهم {لَوْ تَشْعُرُونَ} تعلمون ذلك ما عبدتموهم.
{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)} {وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين}.
{إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115)} {إن} ما {أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} بيِّن الإِنذار.
{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)} {قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يانوح} عما تقول لنا {لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} بالحجارة أو بالشتم.
{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117)} {قَالَ} نوح {رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ}.
{فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)} {فافتح بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً} أي احكم {وَنَجّنِى وَمَن مَّعِى مِنَ المؤمنين}.
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)} قال تعالى: {فأنجيناه وَمَن مَّعَهُ فِى الفلك المشحون} المملوء من الناس والحيوان والطير.
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)} {ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ} أي بعد إنجائهم {الباقين} من قومه.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121)} {إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ}.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123)} {كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين}.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124)} {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ}.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125)} {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126)} {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ}.
{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127)} {وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ} ما {أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين}.
{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128)} {أَتَبْنُونَ بِكُلّ رِيعٍ} مكان مرتفع {ءَايَةً} بناء علماً للمارّة {تَعْبَثُونَ} بمن يمرّ بكم وتسخرون منهم؟ والجملة حال من ضمير تبنون.
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)} {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} للماء تحت الأرض {لَعَلَّكُمْ} كأنكم {تَخْلُدُونَ} فيها لا تموتون.
{وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)} {وَإِذَا بَطَشْتُمْ} بضرب أو قتل {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} من غير رأفة.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131)} {فاتقوا الله} في ذلك {وَأَطِيعُونِ} فيما أمرتكم به.
{وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132)} {واتقوا الذى أَمَدَّكُمْ} أنعم عليكم {بِمَا تَعْلَمُونَ}.
{أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133)} {أَمَدَّكُمْ بأنعام وَبَنِينَ}.
{وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)} {وجنات} بساتين {وَعُيُونٍ} أنهار.
{إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)} {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} في الدنيا والآخرة إن عصيتموني.
{قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136)} {قَالُواْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا} مُسْتَوٍ عندنا {أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مّنَ الواعظين} أصلاً؟ أي لا نرعوي لوعظك.
{إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)} {إن} ما {هذا} الذي خوفتنا به {إِلاَّ خُلُقُ الأولين} أي اختلاقهم وكذبهم وفي قراءة بضم الخاء واللام أي ما هذا الذي نحن عليه من إنكار للبعث إلا خلق الأولين أي طبيعتهم وعادتهم.
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)} {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}.
{فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139)} {فَكَذَّبُوهُ} بالعذاب {فأهلكناهم} في الدنيا بالريح {إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ}.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)} {كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين}.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142)} {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالح أَلا تَتَّقُونَ}.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)} {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144)} {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ}.
{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145)} {وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ} ما {أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين}.
{أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ (146)} {أَتُتْرَكُونَ فِى مَا هاهنآ} من الخير {ءَامِنِينَ}.
{فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)} {فِى جنات وَعُيُونٍ}.
{وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)} {وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} لطيف ليّن.
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)} {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فارهين} بطرين وفي قراءة «فارهين» حاذقين.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150)} {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} فيما أمرتكم به.
{وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151)} {وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ المسرفين}.
{الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)} {الذين يُفْسِدُونَ فِى الأرض} بالمعاصي {وَلاَ يُصْلِحُونَ} بطاعة الله.
{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)} {قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين} الذين سحروا كثيراً حتى غلب على عقلهم.
{مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)} {مَا أَنتَ} أيضاً {إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا فَأْتِ بِئَايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصادقن} في رسالتك.
{قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)} {قَالَ هذه نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ} نصيب من الماء {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ}.
{وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156)} {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} بعظم العذاب.
{فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157)} {فَعَقَرُوهَا} أي عقرها بعضهم برضاهم {فَأَصْبَحُواْ نادمين} على عقرها.
{فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158)} {فَأَخَذَهُمُ العذاب} الموعود به فهلكوا {إِنَّ فِي ذلك لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ}.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160)} {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين}.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161)} {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ}.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162)} {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163)} {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ}.
{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164)} {وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ} ما {أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين}.
{أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165)} {أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين} أي من الناس.
{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)} {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مّنْ أزواجكم} أي أقبالهن؟ {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} متجاوزون الحلال إلى الحرام.
{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167)} {قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط} عن إنكارك علينا {لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} من بلدتنا.
{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168)} {قَالَ} لوط {إِنّى لِعَمَلِكُمْ مّنَ القالين} المبغضين.
{رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)} {رَبِّ نَّجِنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ} أي من عذابه.
{فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170)} {فنجيناه وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ}.
{إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171)} {إِلاَّ عَجُوزاً} امرأته {فِى الغابرين} الباقين أهلكناها.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (172)} {ثُمَّ دَمَّرْنَا الأخرين} أهلكناهم.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173)} {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} حجارة من جملة الإِهلاك {فَسَاءَ مَطَرُ المنذرين} مَطَرُهم.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174)} {إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ}.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175)} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)} {كَذَّبَ أصحاب لْئَيْكَةِ} وفي قراءة بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وفتح الهاء: هي غيضة شجر قرب مدين {المرسلين}.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177)} {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} لم يقل أخوهم لأنه لم يكن منهم {أَلاَ تَتَّقُونَ}.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)} {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179)} {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ}.
{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)} {وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ} ما {أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين}.
{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181)} {أَوْفُواْ الكيل} أَتِمُّوه {وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المخسرين} الناقصين.
{وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)} {وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم} الميزان السويّ.
{وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)} {وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ} لا تنقصوهم من حقهم شيئاً {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مُفْسِدِينَ} بالقتل وغيره من عَثِيَ بكسر المثلثة أفسد ومفسدين حال مؤكدة لمعنى عاملها.
{وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)} {واتقوا} الله {الذى خَلَقَكُمْ والجبلة} الخليقة {الأولين}.
{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185)} {قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين}.
{وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)} {وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا وَإِن} مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي إنه {نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين}.
{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)} {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً} بسكون السين وفتحها، قطعة {مّنَ السماء إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في رسالتك.
{قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188)} {قَالَ رَبِّى أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} فيجازيكم به.
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189)} {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} هي سحابة أظلتهم بعد حرّ شديد أصابهم فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190)} {إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ}.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)} {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)} {وَإِنَّهُ} أي القرآن {لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين}.
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)} {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} جبريل.
{عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)} {على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين}.
{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} {بِلِسَانٍ عَرَبِىّ مُّبِينٍ} بيّن وفي قراءة بتشديد «نزل» ونصب الروح والفاعل الله.
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)} {وَإِنَّهُ} أي ذكر القرآن المنزل على محمد {لَفِى زُبُرِ} كتب {الأولين} كالتوراة والإِنجيل.
{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)} {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ} لكفار مكة {ءَايَةً} على ذلك {أَن يَعْلَمَهُ علماؤا بَنِى إسراءيل} كعبد الله بن سلام وأصحابه ممن آمنوا؟ فإنهم يخبرون بذلك، و«يكن» بالتحتانية ونصب «آيةً» وبالفوقانية ورفع آيةٌ.
{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198)} {وَلَوْ نزلناه على بَعْضِ الأعجمين} جمع أعجم.
{فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199)} {فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم} أي كفار مكة {مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} أنفة من اتباعه.
{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)} {كذلك} أي مثل إدخالنا التكذيب به بقراءة الأعجمي {سلكناه} أدخلنا التكذيب به {فِى قُلُوبِ المجرمين} أي كفار مكة بقراءة النبيّ.
{لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201)} {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم}.
{فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202)} {فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}.
{فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203)} {فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} لنؤمن؟ فيقال لهم: لا، قالوا: متى هذا العذاب؟ قال تعالى:
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204)} {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ}؟.
{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205)} {أَفَرَءَيْتَ} أخبرني {إِن متعناهم سِنِينَ}.
{ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206)} {ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ} من العذاب.
{مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)} {مَا} استفهامية بمعنى: أيّ شيء {أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} في دفع العذاب أو تخفيفه؟ أي: لم يغن.
{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208)} {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} رسل تنذر أهلها.
{ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209)} {ذِكْرِى} عظة لهم {وَمَا كُنَّا ظالمين} في إهلاكهم بعد إنذارهم.
{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210)} ونزل رداً لقول المشركين: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ} بالقرآن {الشياطين}.
{وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211)} {وَمَا يَنبَغِى} يصلح {لَهُمْ} أن ينزلوا به {وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} ذلك.
{إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)} {إِنَّهُمْ عَنِ السمع} لكلام الملائكة {لَمَعْزُولُونَ} محجوبون بالشهب.
{فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)} {فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المعذبين} إن فعلت ذلك الذي دَعوْك إليه.
{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} وهم بنو هاشم وبنو المطلب (وقد أنذرهم جهاراً) رواه البخاري ومسلم.
{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)} {واخفض جَنَاحَكَ} أَلِنْ جانبك {لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} الموحدين.
{فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)} {فَإِنْ عَصَوْكَ} أي عشيرتك {فَقُلْ} لهم {إِنّى بَرِئ مّمَّا تَعْمَلُونَ} من عبادة غير الله.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)} {وَتَوَكَّلْ} بالواو والفاء {عَلَى العزيز الرحيم} الله أي فوِّض إليه جميع أمورك.
{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)} {الذى يراك حِينَ تَقُومُ} إلى الصلاة.
{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)} {وَتَقَلُّبَكَ} في أركان الصلاة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً {فِى الساجدين} أي المصلّين.
{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)} {إِنَّهُ هُوَ السميع العليم}.
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221)} {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} أي كفارَ مكة {على مَن تَنَزَّلُ الشياطين} بحذف إحدى التاءين من الأصل.
{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)} {تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ} كذَّاب {أَثِيمٍ} فاجر مثل مسيلمة وغيره من الكهنة.
{يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)} {يُلْقُونَ} أي الشياطين {السمع} أي ما سمعوه من الملائكة إلى الكهنة {وَأَكْثَرُهُمْ كاذبون} يضمون إلى المسموع كذباً كثيراً وكان هذا قبل أن حجبت الشياطين عن السماء.
{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)} {والشعراء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} في شعرهم فيقولون به ويروونه عنهم فهم مذمومون.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)} {أَلَمْ تَرَ} تعلم {أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ} من أودية الكلام وفنونه {يَهِيمُونَ} يمضون فيجاوزون الحدّ مدحا وهجاءً.
{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)} {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ} فعلنا {مَا لاَ يَفْعَلُونَ} أي يكذبون.
{إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)} {إِلاَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} من الشعراء {وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً} أي لم يشغلهم الشعر عن الذكر {وانتصروا} بهجوهم الكفار {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} بهجو الكفار لهم في جملة المؤمنين فليسوا مذمومين. قال الله تعالى {لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [148: 4] وقال تعالى {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} [194: 2] {وَسَيَعْلَمُ الذين ظَلَمُواْ} من الشعراء وغيرهم {أَىَّ مُنقَلَبٍ} مرجع {يَنقَلِبُونَ} يرجعون بعد الموت.
|